فصل: ثَالِثهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.فصل: فِيمَا عَارض ذَلِك من الْأَحَادِيث والْآثَار:

وَبَيَان ضعفها ذهب قوم إِلَى أَنه لَا يرفع إِلَّا عِنْد الِافْتِتَاح وَيروَى عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَبِه قَالَ ابْن أبي لَيْلَى وَالثَّوْري وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَعَن مَالك كالمذهب.

.أما الْأَحَادِيث:

فعشرة:

.الأول:

عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرج علينا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم رافعي أَيْدِيكُم كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟! اسكنوا فِي الصَّلَاة».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ.

.ثَانِيهَا:

عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ إِلَى قريب من أُذُنَيْهِ ثمَّ لَا يعود».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حِين افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لم يرفعهما حَتَّى انْصَرف».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بهما أُذُنَيْهِ ثمَّ لم يعد إِلَى شَيْء من ذَلِك حَتَّى فرغ من صلَاته».

.ثَالِثهَا:

عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لأصلين بكم صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَصَلى، فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا مرّة».
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود بِهِ قَالَ: التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن، وَرَوَى ابْن عدي والخطيب وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر، فَلم يرفعوا أَيْديهم إِلَّا عِنْد استفتاح الصَّلَاة».

.رَابِعهَا:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لَا يعود».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ.

.خَامِسهَا:

عَن أنس رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ»
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مدخله.
وَرَوَى الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب من حَدِيث أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يرفع الْيَد إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن: الاسْتِسْقَاء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة».

.سادسها:

عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة فَلَا صَلَاة لَهُ».
ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من حَدِيث الْمَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ، نَا الْمسيب بن وَاضح، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من رفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِير فَلَا صَلَاة لَهُ» ذكرهَا فِي مَوْضُوعَاته وَذكر الأولَى الجوزقاني فِي مَوْضُوعَاته أَيْضا.

.سابعها:

عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: عِنْد افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْبَيْت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين».
رَوَاهُ الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن نَافِع، عَن ابْن عمر بِهِ.
ورويا أَيْضا عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَعَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَا: «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: فِي افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْقبْلَة، وَعَلَى الصَّفَا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وَفِي المقامين، وَعند الْجَمْرَتَيْن».

.ثامنها:

عَن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى قَالَ: «صليت إِلَى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير قَالَ: فَجعلت أرفع يَدي فِي كل رفع وَوضع، قَالَ: يَا ابْن أخي: رَأَيْتُك ترفع فِي كل رفع وخفض وَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ فِي أول الصَّلَاة ثمَّ لم يرفعها فِي شَيْء حَتَّى فرغ».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى حَفْص بن غياث، عَن مُحَمَّد بِهِ.

.تاسعها:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع يَدَيْهِ كلما ركع وَكلما رفع، ثمَّ صَار إِلَى افْتِتَاح الصَّلَاة وَترك مَا سُوَى ذَلِك».

.عَاشرهَا:

عَن ابْن الزبير «أَنه رَأَى رجلا يرفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَقَالَ: مَه؛ فَإِن هَذَا شَيْء فعله رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَركه!».

.وَأما الْآثَار:

فَعَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَة الأولَى من الصَّلَاة ثمَّ لَا يرفع فِي شَيْء مِنْهَا».
رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وَعَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود قَالَ: «رَأَيْت عمر بن الْخطاب يرفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة ثمَّ لَا يعود، وَقَالَ: رَأَيْت إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ يفْعَلَانِ ذَلِك». رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
وَعَن مُجَاهِد قَالَ: «مَا رَأَيْت ابْن عمر رَافعا يَدَيْهِ فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
عَن أبي بكربن عَيَّاش، عَن حُصَيْن، عَن مُجَاهِد، وَعَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ «أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا أول مَا يكبران، ثمَّ لَا يعودان».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
والْجَواب عَن هَذِه الْأَحَادِيث والْآثَار بِفضل الله.
أما الحَدِيث الأول، وَهُوَ حَدِيث جَابر بن سَمُرَة فجعْله مُعَارضا لما قدمْنَاهُ من أقبح الجهالات لسنة سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ لِأَنَّهُ لم يرد فِي رفع الْأَيْدِي فِي الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يرفعون أَيْديهم فِي حَالَة السَّلَام من الصَّلَاة، ويشيرون بهَا إِلَى الْجَانِبَيْنِ يُرِيدُونَ بذلك السَّلَام عَلَى من عَلَى الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ بَين أهل الحَدِيث وَمن لَهُ أدنَى اخْتِلَاط بأَهْله، وبرهان ذَلِك أَن مُسلم بن الْحجَّاج رَوَاهُ فِي صَحِيحه من طَرِيقين أَحدهمَا كَمَا سلف، وَثَانِيهمَا: عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «كُنَّا إِذا صلينَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: علام تومئون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟! إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم أَن يضع يَده عَلَى فَخذه ثمَّ يسلم عَلَى أَخِيه من عَلَى يَمِينه وشماله».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكُنَّا إِذا سلمنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَام عَلَيْكُم السَّلَام عَلَيْكُم فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
مَا شَأْنكُمْ تشيرون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟! إِذا سلم أحدكُم فليلتفت إِلَى صَاحبه وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ»
.
وَلما أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن الْمسيب بن رَافع، عَن تَمِيم بن طرفَة، عَن جَابر بِهِ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر لم يسمعهُ الْأَعْمَش من الْمسيب بن رَافع... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، وَفِيه: سَمِعت الْمسيب بن رَافع. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر الْمُقْتَضِي للفظة المختصرة الَّتِي تقدم ذكرنَا لَهَا بِأَن الْقَوْم إِنَّمَا أمروا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاة عِنْد الْإِشَارَة بِالتَّسْلِيمِ دون رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع، ثمَّ أوردهُ كَذَلِك من طَرِيقين بِمَعْنى روايتي مُسلم، قَالَ البُخَارِيّ: وَأما احتجاج بعض من لَا يعلم بِحَدِيث جَابر بن سَمُرَة فَإِنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّد عِنْد السَّلَام لَا فِي الْقيام. قَالَ: وَلَا يحْتَج بِمثل هَذَا من لَهُ حَظّ من الْعلم، هَذَا مَعْرُوف مَشْهُور لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَلَو كَانَ كَمَا توهم هَذَا المحتج لَكَانَ رفع الْأَيْدِي فِي الِافْتِتَاح وَفِي تَكْبِيرَات الْعِيد أَيْضا منهيًّا عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لم يستبن رفعا وَقد بَينه حَدِيث حدّثنَاهُ أَبُو نعيم.... فَذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة السالفة عَن مُسلم، ثمَّ قَالَ: فليحذر امْرُؤ أَن يتَأَوَّل أَو يَقُول عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لم يقل، قَالَ تَعَالَى: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} الْآيَة.
وَأما الحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث الْبَراء بن عَازِب؛ فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ، كسفيان بن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم من الْمُتَقَدِّمين، وَهَؤُلَاء أَرْكَان الحَدِيث وأئمة الْإِسْلَام فِيهِ، وَأما الْحفاظ الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين ضَعَّفُوهُ فَأكْثر من أَن تحصر كَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهم، وَسبب ضعفه أَنه من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء- كَمَا سلف- وَاتفقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المذكورون وَغَيرهم عَلَى أَن يزِيد بن أبي زِيَاد غلط فِيهِ، وَأَنه رَوَاهُ أَولا «إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ» قَالَ سُفْيَان: فَقدمت الْكُوفَة فَسَمعته يحدث بِهِ وَيزِيد فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ سُفْيَان: وَقَالَ لي أَصْحَابنَا إِن حفظه قد تغير أَو قد سَاءَ. قَالَ الشَّافِعِي: ذهب سُفْيَان إِلَى تغليط يزِيد بن أبي زِيَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: كَأَنَّهُ لقن هَذَا الْحَرْف فتلقنه، وَلم يكن سُفْيَان يرَى يزِيد بِالْحِفْظِ لذَلِك. وَذكر الْخَطِيب هَذِه الزِّيَادَة «ثمَّ لَا يعود» فِي «المدرج» وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تثبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لقنها يزِيد فِي آخر عمره فتلقنها وَقد حدث بِهِ عَن يزِيد بإسقاطها: الثَّوْريّ وَشعْبَة وهشيم وأسباط بن مُحَمَّد وخَالِد الطَّحَّان وَغَيرهم من الْحفاظ، وَذكر أَحَادِيثهم بذلك، وَقَالَ الْحميدِي: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ يزِيد وَيزِيد يزِيد.
وَقَالَ أَبُو سعيد الدَّارمِيّ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا يَصح، وَسمعت يَحْيَى بن معِين يضعف يزِيد بن أبي زِيَاد. وَقَالَ الْحَاكِم: قَالَ يَحْيَى بن أَحْمد بن يَحْيَى: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: هَذَا حَدِيث واهي، قد كَانَ يزِيد بن أبي زِيَاد يحدث بِهِ بُرْهَة من دهره لَا يذكر فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَلَمَّا لقن أَخذه فَكَانَ يذكرهُ فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: يزِيد بن أبي زِيَاد كَانَ يذكر بِالْحِفْظِ فِي شبابه، فَلَمَّا كبر سَاءَ حفظه، فَكَانَ يُخطئ فِي كثير من رواياته وَحَدِيثه، ويقلب الْأَسَانِيد وَيزِيد فِي الْمُتُون وَلَا يُمَيّز. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الدَّارمِيّ: وَمِمَّا يُحَقّق قَول سُفْيَان أَنهم لقنوه هَذِه اللَّفْظَة أَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وهشيمًا وَغَيرهم من أهل الْعلم لم يجيئوا بهَا؛ إِنَّمَا جَاءَ بهَا من سمع مِنْهُ بِأخرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّا يُؤَكد مَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ مَا أخبرنَا أَبُو عبد الله. وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: ثَنَا يزِيد بن أبي زِيَاد بِمَكَّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. قَالَ سُفْيَان: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة سمعته يَقُول:
يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لَا يعود»
فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ الْحَاكِم: لَا أعلم سَاق هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ الزِّيَادَة عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة غير إِبْرَاهِيم بن يسَار الرَّمَادِي، وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون من الطَّبَقَة الأولَى من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة، جَالس ابْن عُيَيْنَة نيفًا وَأَرْبَعين سنة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» وَقيل: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى، وَقيل عَنهُ: عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لَا يحْتَج بحَديثه وَهُوَ أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد بن أبي زِيَاد. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث يتوهمه من لَا يرجع إِلَى معرفَة الحَدِيث أَنه مُتَابعَة لحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَلَى تقدمه فِي الْفِقْه وَالْقَضَاء أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ أَنه ذكر فصلا فِي تَضْعِيف حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَلم يرو هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى أحد أَقْوَى من يزِيد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده: هَذَا حَدِيث انْفَرد بِهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَرَوَاهُ عَنهُ الْحفاظ الثِّقَات مِنْهُم: شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَابْن عُيَيْنَة، وهشيم، وخَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ، لم يذكر وَاحِد مِنْهُم فِيهِ قَوْله: «ثمَّ لَا يعود» وَحَكَى ابْن عُيَيْنَة عَنهُ أَنه حَدثهمْ بِهِ قَدِيما، وَلَيْسَ فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» ثمَّ حَدثهمْ بِهِ بعد فَذكر فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود». قَالَ فنظرته فَإِذا مُلْحق بَين سطرين.
قَالَ: وَقَالَ الْبَزَّار الْحَافِظ: لَا يَصح حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد فِي رفع الْيَدَيْنِ قَوْله: «ثمَّ لَا يعود» وَهُوَ قَول أبي دَاوُد وَجَمَاعَة من أهل الحَدِيث.
قَالَ: وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت ابْن وضاح يَقُول: الْأَحَادِيث الَّتِي تروى فِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة «ثمَّ لَا يعود» ضَعِيفَة كلهَا.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته: قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يزِيد يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ» ثمَّ قدم الْكُوفَة فِي آخر عمره فروَى هَذَا الحَدِيث، فلقنوه «ثمَّ لم يعد» فتلقن.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا أهل الْعرَاق وَمن لم يكن علم الحَدِيث من صناعته.
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف يزِيد هَذَا، وَأَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: ارْمِ بِهِ. وَأَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: إِنَّمَا لقن يزِيد فِي آخر عمره ثمَّ لم يعد فتلقنه وَكَانَ قد اخْتَلَط. وَكَذَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لقن يزِيد هَذَا لما كبر.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيُمكن أَن يكون هَذَا من الرَّاوِي عَنهُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى، قَالَ أَحْمد: إِسْمَاعِيل ضَعِيف وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى ضَعِيف ومضطرب الحَدِيث.
قَالَ: ويؤكد أَن ذَلِك من الروَاة مَا أَتَى بِهِ ابْن عبد الْخَالِق، ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي بن عَاصِم، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن يزِيد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَكبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بهما أُذُنَيْهِ، ثمَّ لم يعد» قَالَ عَلّي: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة قيل لي: إِن يزِيد حَيّ. فَأَتَيْته فَحَدثني بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَامَ الصَّلَاة وَكبر وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بهما أُذُنَيْهِ»، فَقلت: إِنَّه أَخْبرنِي ابْن أبي لَيْلَى أَنَّك قلت: «ثمَّ لم يعد» قَالَ: لَا أحفظ هَذَا فعاودته فَقَالَ: لَا أحفظ هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَى الْحفاظ الَّذين سمعُوا من يزِيد قَدِيما مِنْهُم الثَّوْريّ وَشعْبَة وَزُهَيْر لَيْسَ فِيهِ «ثمَّ لم يعد».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ هشيم وخَالِد وَابْن إِدْرِيس عَن يزِيد، وَلم يذكرُوا فِيهِ «ثمَّ لَا يعود».
وَقد رَوَى مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي دَاوُد قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح.
وَأما الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث ابْن مَسْعُود فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: قَالَ ابْن الْمُبَارك: لم يثبت عِنْدِي حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا: وَقد ثَبت عِنْدِي حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ ذكره عبيد الله وَمَالك وَمعمر وَابْن أبي حَفْصَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَأرَاهُ وَاسِعًا، ثمَّ قَالَ عبد الله: كَأَنِّي أنظر إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة؛ لِكَثْرَة الْأَحَادِيث وجودة الْأَسَانِيد.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته ويعارضه بِأَنَّهُ قد رَوَى حَدِيثا مسلسلًا عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فِيهِ الرّفْع عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث خطأ وَإِن الثَّوْريّ وهم فِيهِ وَضَعفه أَيْضا الإمامان أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن آدم عَلَى مَا نَقله عَنْهُمَا البُخَارِيّ فِي كتاب رفع الْيَدَيْنِ وتابعهما عَلَى تَضْعِيفه.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ بِصَحِيح عَلَى هَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت عِنْدِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الْخَبَر مُخْتَصر من أَصله، وَعَاصِم بن كُلَيْب- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الأول- لم يخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَذَلِكَ أَنه كَانَ يختصر الْأَخْبَار يُؤَدِّيهَا عَلَى الْمَعْنى، وَهَذِه اللَّفْظَة «ثمَّ لم يعد» غير مَحْفُوظَة فِي الْخَبَر.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الخلافيات: يُرِيد الْحَاكِم- وَالله أعلم- بذلك صَحِيح البُخَارِيّ؛ لِأَن مُسلما قد أخرج حَدِيثه. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ قد نَص فِي مُسْتَدْركه أَن مُسلما احْتج بِهِ، ذكره فِي الصَّلَاة، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: اتَّفقُوا عَلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وأنكروا عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه.
قلت: وينكر أَيْضا عَلَى ابْن حزم تَصْحِيحه فِي محلاه وَأعله الحافظان ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي بعلة أُخْرَى، وَهِي الِانْقِطَاع فَقَالَا: لم يسمع عبد الرَّحْمَن من عَلْقَمَة. لَكِن نقل الْخَطِيب فِي كِتَابه الْمُتَّفق والمفترق أَنه سمع مِنْهُ.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيجوز أَن يكون عَلْقَمَة لم يضْبط، أَو ابْن مَسْعُود خَفِي عَلَيْهِ هَذَا من أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا خَفِي عَلَيْهِ غَيره مثل نسخ التطبيق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ: هَذَا أحسن خبر رَوَى أهل الْكُوفَة فِي نفي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أَضْعَف شَيْء يعول عَلَيْهِ؛ لِأَن لَهُ عللًا تبطله، وأسبابًا توهيه، ومعاني تدحضه ثمَّ ذكرهَا مُوضحَة. قلت: وَأما طَرِيق حَدِيث ابْن مَسْعُود الآخر فضعيف أَيْضا بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَقَالَ إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَمُحَمّد بن جَابر قَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا يحدث عَنهُ إِلَّا من هُوَ شَرّ مِنْهُ. وَقَالَ الفلاس لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا إِسْنَاد مقلوب لَا نعلم أحدا حدث بِهِ من أَصْحَاب حَمَّاد من الْمَشْهُورين بِالْأَخْذِ عَنهُ قَالَ وَلَو كَانَ مَحْفُوظًا لبادر بروايته أَبُو حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ عَن حَمَّاد إِذْ كَانَ يُوَافق مَذْهَبهمَا ذَلِك قَالَ فَأَما مُحَمَّد بن جَابر بن سيار السحيمي فَإِنَّهُ قد تكلم فِيهِ أَئِمَّة أهل الحَدِيث قَالَ وَأما إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل فَغير مُحْتَج بِرِوَايَاتِهِ. قَالَ: وَأما مَا رُوِيَ عَن حَمَّاد فِي هَذَا الْبَاب فحدثنا أَبُو الْحسن وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم «أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ أول مرّة ثمَّ لَا يعود يرفع بعد ذَلِك» قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم ير ابْن مَسْعُود، والْحَدِيث مُنْقَطع وَالْعجب من ابْن جَابر أَنه لم يرض بِأَن وصل هَذَا الحَدِيث الْمُنْقَطع حَتَّى زَاد أَيْضا فأسنده إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لم يقنعه ذَلِك إِلَّا أَن وَصله بِذكر أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قلت: وَكَذَا نَص غير وَاحِد أَيْضا من الْحفاظ عَلَى ضعفه، قَالَ ابْن عدي: لم يصله عَن حَمَّاد غير مُحَمَّد بن جَابر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن جَابر- وَكَانَ ضَعِيفا- عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم. وَغير حَمَّاد يرويهِ عَن إِبْرَاهِيم مُرْسلا عَن عبد الله من قَوْله غير مَرْفُوع وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: كَذَلِك رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن مَسْعُود مُرْسلا مَوْقُوفا، وَقد أخرج هَذَا الرِّوَايَة فِي خلافياته بِسَنَدِهِ كَمَا تقدم وَذكر الْحَاكِم عَن جمَاعَة من أهل الْكُوفَة أَن مُحَمَّد بن جَابر عمي، فَكَانَ يلْحق فِي كِتَابه مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ: وَهَذَا من أحسن مَا يُقَال فِيهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يسرق الحَدِيث من كل من يذاكره فيرويه حَتَّى كثرت الْمَنَاكِير والموضوعات فِي رِوَايَته. قلت: وَأما إِدْخَال ابْن حبَان إِيَّاه فِي الثِّقَات فتفرد مِنْهُ مُخَالف لأقوال الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين، وَكَذَا إِدْخَال ابْن السكن الحَدِيث فِي صحاحه وَقَوله فِيهِ: يُقَال إِنَّه مَنْسُوخ.
وَأما الحَدِيث الرَّابِع وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر قَالَ الْبَيْهَقِيّ- وَقَبله الْحَاكِم-: إِنَّه بَاطِل مَوْضُوع، لَا يجوز أَن يذكر إِلَّا عَلَى سَبِيل التَّعَجُّب والقدح فِيهِ، وَقد روينَا بِالْأَسَانِيدِ الباهرة عَن مَالك بِخِلَاف هَذَا.
وَأما الحَدِيث الْخَامِس، وَهُوَ حَدِيث أنس فَقَالَ الْحَاكِم فِي مدخله إِلَى معرفَة الإكليل فِي ذكر الْمَجْرُوحين: كتب تَرْجَمَة جمَاعَة وضعُوا الحَدِيث فِي الْوَقْت لحاجتهم إِلَيْهِ. قيل لمُحَمد بن عكاشة الْكرْمَانِي: إِن قوما يرفعون أَيْديهم فِي الرُّكُوع وَبعد رفع الرَّأْس مِنْهُ. فَقَالَ: نَا الْمسيب بن وَاضح، ثَنَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ» قَالَ الْحَاكِم: وكل من رزقه الله فهما فِي نوع من الْعلم وَتَأمل هَذِه الْأَحَادِيث علم أَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُحَمَّد بن عكاشة هَذَا يضع الحَدِيث. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي مَوْضُوعَاته وَأما حَدِيث أنس السالف عَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ، فَهُوَ حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِف من خرجه من حَدِيث أنس، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: لم نَحْفَظ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رفع يَده الرّفْع كُله إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن: الاستقساء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة ثمَّ كَانَ بعد رفع دون رفع.
وَأما الحَدِيث السَّادِس، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة ضَعِيف أَيْضا؛ بل مَوْضُوع كَمَا سلف؛ فَإِن مَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده كَذَّاب، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ دجالًا من الدجاجلة.
وَأما الحَدِيث السَّابِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر فَالْجَوَاب عَنْهُمَا من أوجه ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن شَيْخه أبي عبد الله الْحَاكِم:
أَحدهَا: أَن ابْن أبي لَيْلَى تفرد بِهِ، وَقد اتّفق أهل الحَدِيث عَلَى ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَاتِهِ.
ثَانِيهَا: أَن وكيعًا رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا. قَالَ الْحَاكِم: ووكيع أثبت من كل من رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يعرف مُسْندًا؛ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِ.
ثَالِثهَا: أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج قَالَ: لم يسمع الْحَاكِم من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِنْهَا فَيكون مُنْقَطِعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ: حدثت عَن مقسم. وَبِذَلِك لَا تثبت الْحجَّة.
رَابِعهَا: أَن جمَاعَة من التَّابِعين رَوَوْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة المأثورة عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر «أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا عِنْد الرُّكُوع وَبعد الرّفْع مِنْهُ» كَمَا قدمنَا ذكره وأسنداه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
خَامِسهَا: أَن فِي جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة مِنْهَا «لَا ترفع إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن».
قلت: قد رَوَاهُ كَذَلِك مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه لَكِن قَالَ الْحَاكِم: يَسْتَحِيل أَن يكون لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار المأثورة بِأَن الْأَيْدِي ترفع فِي مَوَاطِن كَثِيرَة غير المواطن السَّبْعَة؛ فَمِنْهَا: الاسْتِسْقَاء، وَدُعَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لدوس، وَرفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّعَاء فِي الصَّلَوَات وَأمره بِهِ، وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالْوتر.
وَأما الحَدِيث الثَّامِن، وَهُوَ حَدِيث عباد بن عبد الله بن الزبير فَهُوَ مُرْسل؛ لِأَن عبادًا من التَّابِعين قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن أَبِيه ضِدّه.
وَأما الحَدِيث التَّاسِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ غَرِيب غير مَعْرُوف، وَكَذَا. الحَدِيث الْعَاشِر، حَدِيث ابْن الزبير لَا نعلم من رَوَاهُ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: لَا يعرفان أصلا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَنْهُمَا الرّفْع؛ فروَى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَيْمُون الْمَكِّيّ أَنه رَأَى ابْن الزبير صَلَّى بهم يُشِير بكفيه حِين يقوم وَحين يرْكَع وَحين يسْجد قَالَ: فَذَهَبت إِلَى ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: إِن أَحْبَبْت أَن تنظر إِلَى صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقتد بِصَلَاة عبد الله بن الزبير قَالَ: وَرَوَى طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي المواطن الثَّلَاثَة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: وَلَهُم خبر آخر رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ: أَرَأَيْتُم رفعكم أَيْدِيكُم فِي الصَّلَاة هَكَذَا إِنَّهَا لبدعة، مَا زَاد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى هَذَا، وَرفع حَمَّاد يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه أَو نَحْو ذَلِك قَالَ: وَهَذَا مُجمل بُيِّن فِي رِوَايَة أُخْرَى عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر، عَن ابْن عمر: وَالله إِن رفعكم أَيْدِيكُم فِي السَّمَاء لبدعة- يحلف عَلَيْهَا ثَلَاثًا- مَا زَاد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى هَذَا، وَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه.
قَالَ الدَّارمِيّ: فَهَذَا دَلِيل وَاضح عَلَى أَنه فِي الدُّعَاء لَا فِي التَّكْبِير عِنْد الرُّكُوع؛ فَإِن أَبيت إِلَّا أَن تحتج بِهِ كَانَ عَلَيْك وَلنَا إِنَّه قد أَبَاحَ رَفعهَا عَلَى كل حَال، وَلَو صَحَّ هَذَا عَن ابْن عمر- كَمَا رويت عِنْد الرُّكُوع- لم يكن لَك فِيهِ كثير رَاحَة؛ لِأَن بشر بن حَرْب لَيْسَ لَهُ من التَّقَدُّم فِي الرِّوَايَة مَا يدْفع بروايته رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رِوَايَة بضعَة عشر رجلا، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفعل أمة من أَصْحَاب مُحَمَّد وَالتَّابِعِينَ سَمِعت يَحْيَى بن معِين يضعف بشرا فِي الحَدِيث، وَرَوَى حُسَيْن بن وَاقد، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ: وَالله مَا رفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ فَوق صَدره فِي الدُّعَاء.
قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا الْحُسَيْن بن وَاقد- عَلَى صدقه وإتقانه- قد أَتَى بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ.
قلت: وَقد انْتَهَى الْجَواب عَن الْأَحَادِيث الَّتِي ظن أَنَّهَا مُعَارضَة، وَأَنه يرد بهَا الْأَخْبَار الثَّابِتَة كالأساطين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وضعفها مَا أبله من وضع هَذِه الْأَحَادِيث ليقاوم بهَا الْأَحَادِيث الصِّحَاح.
وَأما الْآثَار فأثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ضَعِيف لَا يَصح عَنهُ، وَمِمَّنْ ضعفه البُخَارِيّ ثمَّ رُوِيَ تَضْعِيفه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته عَن عُثْمَان الدَّارمِيّ أَنه قَالَ: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي من هَذَا الطَّرِيق الواهي، وَقد رَوَى عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفعهما عِنْد الرُّكُوع وَبعد رفع رَأسه مِنْهُ فَلَيْسَ الظَّن أَنه يخْتَار فعله عَلَى فعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن لَيْسَ أَبُو بكر النَّهْشَلِي- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- مِمَّن يحْتَج بروايته أَو تثبت بِهِ سنة لم يَأْتِ بهَا غَيره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الزَّعْفَرَانِي: قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا يثبت عَن عَلّي وَابْن مَسْعُود- يَعْنِي: مَا رُوِيَ عَنْهُمَا- «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يرفعان أَيْدِيهِمَا فِي غير تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح». قَالَ الشَّافِعِي: وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن عَلّي، فَأخذ بِهِ وَترك مَا رَوَى عَاصِم، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رفع يَدَيْهِ كَمَا رَوَى ابْن عمر. قَالَ الشَّافِعِي: وَلَو كَانَ ثَابتا عَنْهُمَا لأشبه أَن يكون الرَّاوِي رآهما مرّة أغفلا ذَلِك. قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل: ذهب عَنْهُمَا حفظ ذَلِك عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحفظ ابْن عمر لكَانَتْ لَهُ حجَّة. وَأما أثر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فَقَالَ الْحَاكِم: هِيَ رِوَايَة شَاذَّة لَا تقوم بهَا الْحجَّة وَلَا تعَارض بهَا الْأَخْبَار الصَّحِيحَة المأثورة أَنه أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الزبير بن عدي، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَنهُ وَلم يذكر فِيهِ: ثمَّ لَا يعود وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الْأَثر عَن عمر لَا يَصح عَنهُ وَفِي ذَلِك رد عَلَى تَصْحِيح الطَّحَاوِيّ لَهُ. وَأما أثر ابْن عمر فَقَالَ البُخَارِيّ: قد خُولِفَ فِي ذَلِك عَن مُجَاهِد، قَالَ وَكِيع عَن الرّبيع بن صبيح قَالَ: رَأَيْت مُجَاهدًا يرفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. وَقَالَ جرير، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد إِنَّه كَانَ يرفع يَدَيْهِ. وَهَذَا أحفظ عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ صَدَقَة: إِن الَّذِي رَوَى حَدِيث مُجَاهِد أَنه لم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى كَانَ صَاحبه قد تغير بِأخرَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَالَّذِي رَوَاهُ الرّبيع وَاللَّيْث أولَى مَعَ رِوَايَة طَاوس وَسَالم وَنَافِع وَأبي الزبير ومحارب ابْن دثار وَغَيرهم قَالُوا: «رَأينَا ابْن عمر يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا رفع» وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن الْمَحْفُوظ فِي ذَلِك عَن أبي بكر بن عَيَّاش إِنَّمَا هُوَ عَن عبد الله بن مَسْعُود لَا عَن عبد الله بن عمر.
وَأما أثر أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر فَرَوَاهُ سوار بن مُصعب عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ هما ضعيفان، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا خبر لَا يستجيز الِاحْتِجَاج بِهِ من يرجع إِلَى أدنَى معرفَة بِالرِّجَالِ؛ فَإِن عَطِيَّة بن سعيد الْعَوْفِيّ ذَاهِب بِمرَّة. وَأما سوار بن مُصعب فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ، قَالَ يَحْيَى بن معِين فِي حَقه إِنَّه زائغ غير مُحْتَج بحَديثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. فقد ظهر- بِحَمْد الله وَمِنْه- ضعف مَا عَارض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والنصوص الصَّرِيحَة.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه أَنه قَالَ: قد صَحَّ رفع الْيَدَيْنِ- يَعْنِي فِي الْمَوَاضِع الْمُتَقَدّمَة- عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ثمَّ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ فِي نِسْيَان ابْن مَسْعُود رفع الْيَدَيْنِ مَا يُوجب أَن هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة لم يرَوا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ، قد نسي ابْن مَسْعُود من الْقُرْآن مَا لم يخْتَلف الْمُسلمُونَ فِيهِ بعد وَهُوَ المعوذتان، وَنسي مَا اتّفق الْعلمَاء كلهم عَلَى نسخه وَتَركه من التطبيق، وَنسي كَيْفيَّة قيام الِاثْنَيْنِ خلف الإِمَام، وَنسي مَا لم يخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الصُّبْح يَوْم النَّحْر فِي وَقتهَا» وَنسي كَيْفيَّة جمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة وَنسي كَيفَ كَانَ يقْرَأ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} وَإِذا جَازَ عَلَى عبد الله أَن ينسَى مثل هَذَا فِي الصَّلَاة خَاصَّة كَيفَ لَا يجوز مثله فِي رفع الْيَدَيْنِ؟! وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: مَا مَعْنَى رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع؟ فَقَالَ: مثل مَعْنَى رفعهما عِنْد الِافْتِتَاح تَعْظِيمًا لله- تَعَالَى- وَسنة متبعة يُرْجَى بهَا ثَوَاب الله- تَعَالَى- وَمثل رفع الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا والمروة وَغَيرهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: اجْتمع الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري بمنى فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للثوري: لم لَا ترفع يَديك فِي خفض الرُّكُوع وَرَفعه؟ فَقَالَ الثَّوْريّ: نَا يزِيد بن أبي زِيَاد، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أروي لَك عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعارضني بِيَزِيد بن أبي زِيَاد وَيزِيد رجل ضَعِيف وَحَدِيثه مُخَالف للسّنة؟! فاحمار وَجه الثَّوْريّ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: كَأَنَّك كرهت مَا قلت؟! قَالَ: نعم. فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: قُم بِنَا إِلَى الْمقَام نلتعن أَيّنَا عَلَى الْحق. فَتَبَسَّمَ الثَّوْريّ لما رَأَى الْأَوْزَاعِيّ قد احتد.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي فِي مناظرته مَعَ مخالفه فِي ذَلِك مناظرة طَوِيلَة مُشْتَمِلَة عَلَى مهمات تركتهَا خشيَة التَّطْوِيل فلتراجع مِنْهَا، وَقَالَ البُخَارِيّ: نسَاء بعض الصَّحَابَة أعلم إِن من هَؤُلَاءِ «كَانَت أم الدَّرْدَاء ترفع يَديهَا فِي الصَّلَاة حَذْو منكبيها حِين تفتتح الصَّلَاة وَحين تركع، وَإِذا قَالَت: سمع الله لمن حَمده رفعت يَديهَا وَقَالَت: رَبنَا لَك الْحَمد» قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يثبت عِنْد أهل الْبَصْرَة مِمَّن أدركنا من أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق مِنْهُم الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَيَحْيَى بن معِين، وَأحمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هَؤُلَاءِ أهل الْعلم من أهل زمانهم لم يثبت عَن وَاحِد مِنْهُم عَلمته فِي ترك رفع الْأَيْدِي عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه لم يرفع يَدَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يرفع يَدَيْهِ، وَهُوَ أكبر أهل زَمَانه علما فِيمَا يعرف، فَلَو لم يكن عِنْد من لَا يعلم عَن السّلف علما فاقتدى بِابْن الْمُبَارك فِيمَا اتبع فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أولَى بِهِ من أَن يَقْتَدِي بقول من لَا يعلم، وَقَالَ معمر: قَالَ ابْن الْمُبَارك: صليت إِلَى جنب النُّعْمَان فَرفعت يَدي، فَقَالَ: مَا خشيت أَن تطير! قلت: إِن لم أطر فِي الأولَى لم أطر فِي الثَّانِيَة. وَلما رَوَى البُخَارِيّ الرّفْع فِي الْمَوَاضِع السالفة عَن أَعْلَام أَئِمَّة الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم، قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالْعراق قد اتَّفقُوا عَلَى رفع الْأَيْدِي. ثمَّ رَوَاهُ عَن جماعات آخَرين ثمَّ قَالَ: فَمن زعم أَن رفع الْأَيْدِي بِدعَة فقد طعن فِي أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَف وَمن بعدهمْ وَأهل الْحجاز وَأهل الْمَدِينَة وَمَكَّة وعدة من أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام واليمن وعلماء خُرَاسَان مِنْهُم ابْن الْمُبَارك حَتَّى شُيُوخنَا، وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة ترك الرّفْع، وَلَيْسَ أَسَانِيد أصح من أَسَانِيد الرّفْع. قَالَ: وَأما رِوَايَة الرّفْع فِي الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَرِوَايَة الرّفْع فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَفِي الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ فالجميع صَحِيح؛ لأَنهم لم يحكوا صَلَاة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا فِيهَا بِعَينهَا مَعَ أَنه لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا زَاد بَعضهم عَلَى بعض، وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة من أهل الْعلم، وَالله- تَعَالَى- أعلم.
وَإِذا انْتَهَى الْكَلَام بِنَا فِي الرّفْع، وَهُوَ من الْمُهِمَّات وَقد اجْتمع فِيهِ- بِفضل الله- مَا لم يجْتَمع فِي غَيره من المصنفات مَعَ رِعَايَة الِاخْتِصَار فنعود إِلَى مَا نَحن بصدده من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ وآثاره.
نجزُ الْجُزْء الثَّانِي- بِفضل الله وَمِنْه- يتلوه فِي الَّذِي يَلِيهِ الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وَصَحبه وَسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون.
غفر الله لمن كتبه لأَجله آمين.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.